تعريب الطب- خطوة جريئة لزيادة أعداد الأطباء العرب وتحسين جودة التعليم

المؤلف: بشرى فيصل السباعي09.19.2025
تعريب الطب- خطوة جريئة لزيادة أعداد الأطباء العرب وتحسين جودة التعليم

في خطوة ذات أهمية بالغة، أعلنت جامعة الأزهر العريقة في جمهورية مصر العربية مؤخرًا عن البدء في تنفيذ مشروع طموح لتعريب مناهج كليات الطب، وكليات العلوم الطبية، وكذلك كليات الصيدلة. هذه المبادرة الجريئة تعتبر نقلة نوعية، ومن المتوقع لها أن تحقق نجاحًا باهرًا، مدعومة في ذلك بالخبرة الرائدة التي اكتسبتها الجمهورية العربية السورية في مجال تعريب تدريس الطب منذ عام 1923. في الواقع، لا يوجد أي أساس منطقي مقنع للإصرار على تدريس الطب باللغة الإنجليزية، خاصة وأن غالبية دول العالم تعتمد لغاتها الوطنية في تدريس هذا التخصص الحيوي. وإذا كان التدريس باللغة الوطنية يؤدي إلى تدهور مستوى الأطباء، لما استمرت دول العالم في هذا النهج. لذا، فإن الإصرار على تدريس الطب باللغة الإنجليزية في العالم العربي يبدو وكأنه نابع من شعور زائف بالنقص، وتوهم بأن اللغة العربية قاصرة عن استيعاب علوم الطب. إن تدريس الطب باللغة الإنجليزية يفاقم من صعوبة استيعاب المادة العلمية، مما يؤثر سلبًا على تحصيل الطلاب. والكثير من الطلاب الموهوبين الذين يمتلكون القدرة على التفوق في مجال الطب يضطرون إلى التخلي عن طموحهم بسبب صعوبة الدراسة باللغة الإنجليزية. وفي سياق متصل، صرح مسؤول رفيع بوزارة الصحة بأن السبب الرئيسي وراء ضعف توطين الوظائف الطبية هو النقص الحاد في عدد خريجي كليات الطب من الجامعات الحكومية والخاصة، حيث لا تتجاوز نسبة الأطباء السعوديين 29.1% من إجمالي عدد الأطباء العاملين في وزارة الصحة (وفقًا لجريدة عكاظ، الأحد 5 أغسطس 2018). ومن المؤكد أن تعريب تدريس الطب سيساهم في زيادة أعداد الخريجين، حيث تعتبر اللغة الإنجليزية العائق الأكبر أمام الطلاب العرب الراغبين في دراسة هذا التخصص. لذلك، فإن تعريب الطب يمثل ضرورة ملحة، ولا يقتصر الأمر على مجرد إظهار الاعتزاز بقدرة اللغة العربية على استيعاب المصطلحات الطبية الحديثة. لقد أثبتت التجربة السورية أن دراسة الطب باللغة العربية لا تشكل أي عائق أمام الطبيب في متابعة أحدث المستجدات في المجلات الطبية الغربية، أو إكمال الدراسات العليا في الخارج، أو حتى العمل في الدول التي لا تتحدث بالعربية. وقد أعرب مسؤولون ألمان عن قلقهم البالغ إزاء الفراغ الذي سيتركه عودة الأطباء السوريين إلى وطنهم بعد انتهاء الأزمة، وذلك نظرًا لكفاءة الأطباء السوريين وتفانيهم في العمل في ألمانيا، على الرغم من أنهم لم يدرسوا اللغة الألمانية في الجامعات السورية. ومع ذلك، فقد أظهروا براعة فائقة في مجالات تخصصهم بعد اضطرارهم للهجرة إلى ألمانيا بسبب الحرب الأهلية. كما أثبتوا كفاءتهم في العمل في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، على الرغم من أنهم لم يدرسوا الطب باللغة الإنجليزية. يمكن تنظيم دورات مكثفة في اللغة الإنجليزية لطلاب الطب، بهدف تزويدهم بالمهارات اللغوية التي يحتاجونها لاحقًا عند إكمال دراستهم في الخارج أو متابعة أحدث الأبحاث في المجلات الطبية الغربية. ويمكن للهيئات المتخصصة في الترجمة مواكبة التطورات المتسارعة في مجال الطب و ترجمة المصطلحات الطبية المستجدة. فالمركز العربي لتأليف و ترجمة العلوم الصحية ("أكملز")، وهو منظمة تابعة لمجلس وزراء الصحة العرب، تأسست عام 1980 ومقرها دولة الكويت، يقوم بإصدار مجلة متخصصة بعنوان "تعريب الطب" بالإضافة إلى معاجم طبية معربة. وهذا يعني أن المادة العلمية الطبية مترجمة بالفعل إلى اللغة العربية، وبالتالي فإن تعريب تدريس الطب لن يبدأ من نقطة الصفر، ولا يتطلب سوى قرار جريء وشجاع يتبنى التفكير الإبداعي، مع الاستفادة من المناهج الطبية السورية المعربة. إن كل من يعارض تعريب تدريس الطب لديه شعور دفين بالنقص، ولا يبني معارضته على أسس واقعية، وإنما على نظرته المتدنية للغة العربية. والحقيقة هي أن اللغة العربية قادرة على استيعاب جميع العلوم. لذا، يجب تعريب جميع التخصصات التي تدرس باللغة الإنجليزية، ليس فقط انطلاقًا من الاعتزاز بالهوية الوطنية والقومية، وإنما أيضًا لتسهيل استيعاب هذه التخصصات على الطلاب، وبالتالي رفع مستوى تحصيلهم وزيادة أعداد الخريجين. إن النقص الحاد في أعداد الخريجين من جميع التخصصات التي تدرس باللغة الإنجليزية يدل بوضوح على التأثير السلبي للتدريس بهذه اللغة. إن تعريب العلوم المختلفة يخدم هذه العلوم نفسها أكثر مما يخدم اللغة العربية. إن الاعتزاز باللغة العربية ودعمها لا يكون بالشعارات الرنانة ولا بالاحتفال بيوم واحد في السنة، وإنما بالأفعال الملموسة. فما فائدة كل هذه الترجمات للعلوم الطبية إذا لم يتم تدريس الطب باللغة العربية؟ إن تعريب الطب سيشجع على المزيد من الترجمات الطبية المتميزة .

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة